9/28/2021

الفقه العرضي

 


تحميل



المعارف بناءات قوية ورصينة ودوما وابدا تحتاج الى أسس يبنى عليها البناء الجميل والعالي. وكلما كان البناء ضخما وعاليا كانت الحاجة الى أسس قوية ومتينة أكبر. والمعارف الشرعية لا تخرج عن هذه الحقيقة بان بناءها لا بد ان يكون على أسس متينة وقوية. ولا بد من الاتصال بين الأسس فيما بينها وبينها وبين المباني والجدران وبين المباني فيما بينها. الأسس هي الأصول معرفيا والمباني والجدران هي الفروع معرفيا، وهكذا حال الجذور والجذوع للنبات فهي اصوله والاغصان والأوراق فروعه. فكل شيء ثابت في الكون له أصول وفروع. ولأجل ان تكون المعرفة ثابتة وراسخة لا بد ان تكون لها أصول بينة ولها فروع متصلة بالأصول. والفرع الذي ليس له أصل فهو فرع يابس ميت وادعاء انه حي ومخضر مجرد ادعاء ووهم. كل فرع معرفي ليس له أصل فهو وهم وخيال.

وفي علم الشريعة من الواضح والراسخ جدا ان أصولها القران والسنة، وهذا هو القطعي المتين وكل ادخال او اخراج في ذلك هو خلل وتخلخل في البناء. وعلى هذا الأساس القطعي الراسخ الوجداني كان هذا الكتاب ان القران والسنة هما أصول الشريعة وباقي المعارف الشرعية فروع لهما.

بعد هذا البيان ابين الغرض من الكتاب فهو في بيان قواعد التفرع واتصال الفروع بالأصول او اتصال وحدات البناء ببعضها. ولا ريب لأجل البناء لا بد من تمييز اللبنة البنائية التي تبنى بها البناية ثم ايصالها بما تحتها. وهذه القاعدة وهي تمييز اللبنة واتصالها بما قبلها تجري في جميع الأشياء بما فيها المعرفة. وفي المعرفة النقلية اللبنة هي الدلالة والبعد المعرفي والاتصال هو التصديق الدلالي والتوافق المعرفي. واي اغفال لاحد الجانبين يؤدي الى تشويه في البناء والى تخلخل والى ضعف وربما سقوط للبناء. فلا بد من اجل بناء الفروع على الأصول من إدراك الدلالة ثم إدراك التصديق وذلك بعرض الفروع على الاصول. ولا ينفع هنا الظن ولا الشك ولا التشابه، بل لا بد من العلم ولا شيء غير العلم، العلم بالدلالة والعلم بالتصديق. وهذا الكتاب مخصص لبيان قواعد عرض الفروع الشرعية على الأصول الشرعية وبيان مدى تصديق الأصل للفرع وعدمه.

ومن المفيد هنا الإشارة الى ان المعروف ان الفقه هو الفهم، وكثيرا ما يستعمل الفقه في الفهم الا ان التأمل والتدبر يشير الى ان الفقه معرفي والفهم دلالي، وان الفهم مقدمة للفقه. فالفهم هو مرحلة إدراك الدلالة المعرفية والفقه هو مرحلة إدراك التصديق المعرفي.  ولا فقه من دون إدراك التوافق والتصديق المعرفي. وكما ان هناك جوانب دلالية في الأصول الشرعية فهناك جوانب تصديقية فيه، والأول نسميه الفقه اللفظي والثاني الفقه المعرفي، والاقتصار على الفقه اللفظي كما هو الان سائد يؤدي الى اضطراب وخلل ملحوظ، فلا بد لأجل بناء معارف شرعية من إتمام الفقه المعرفي مع الفقه اللفظي، وان الفقه اللفظي داخل في الفقه المعرفي لأجل معرفة صحيحة.