قال
تعالى: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ.
توضيح (ت) قال في الوجيز {فإن تنازعتم} اختلفتم وتجادلتم وقال كلُّ فريق: القولُ قولي:
فَرُدُّوا الأمر في ذلك إلى كتاب الله وسنَّة رسوله. وقال السعدي ثم أمر برد كل ما
تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه إلى الله وإلى رسوله، أي: إلى كتاب الله
وسنة رسوله؛ فإن فيهما الفصل في جميع المسائل الخلافية. وقال الطوسي: فمعنى الرد إلى الله هو إلى كتابه
والرد إلى رسوله هو الرد إلى سنته. وهو قول مجاهد، وقتادة، وميمون بن مهران،
والسدي: والرد إلى الائمة يجري مجرى الرد إلى الله والرسول، ولذلك قال في آية أخرى
" ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم
" ولأنه إذا كان قولهم حجة من حيث كانوا معصومين حافظين للشرع جروا مجرى
الرسول في هذا الباب. انتهى اقول وهو مقتضى الامر بطاعتهم والسنة الامرة بالتمسك
بهم حتى عند من لا يقول بعصمتهم. هذا وقد
جاء في الحديث المصدق في النهج قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: الرد إلى الله
الأخذ بمحكم كتابه والرد إلى الرسول الأخذ بسنته الجامعة غير المفرقة. لكن لا بد
من توضيح امر ان الله تعالى قال (فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) ولم يقل
الى القرآن والسنة، فتلك التفاسير تفاسير إضافية وهي مصدقة وحق الا ان الأصل ان
الرد يكون للرسول صلى الله عليه واله وان ذكر الله تعالى هو تشريفي ومثله كثير في
القران. فيكون الرد الى الرسول في حال حياته وبعد مماته يكون الرد الى من يقوم
مقامه، وهذا يعني ضرورة وجود من يقوم مقامه يقترب منه، وصرح القران في موضع اخر بأنهم
اولو الامر، وهذا يدلل ان الطاعة والرد الى ولي الامر هي من سنخ طاعة الرسول والرد
اليه ولا وجه للقول بالاختلاف. ولو الامر هم الاوصياء عليهم السلام بالمعارف
المصدقة، نعم في حال غيبة الوصي فانه يرد الى الكتاب والسنة.
وقال
تعالى: مَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ . ت: قال
السعدي { وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ } من أصول دينكم وفروعه، مما لم
تتفقوا عليه { فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ } يرد إلى كتابه، وإلى سنة رسوله، فما
حكما به فهو الحق، وما خالف ذلك فباطل. وقال ابن عجيبة المختار العموم ، أي : وما
اختلفتم فيه أيها الناس من أمور الدين ، سواء رجع ذلك الاختلاف إلى الأصول أو
الفروع ، فحُكم ذلك إلى الله ، وقد قال في آية أخرى : { فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِى
شَىْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ }. وقال الطوسي وقوله (وما اختلفتم
فيه من شئ فحكمه إلى الله) معناه ان الذي تختلفون فيه من أمر دينكم ودنياكم
وتتنازعون فيه (فحكمه إلى الله) يعني أنه الذي يفصل بين المحق فيه وبين المبطل،
لانه العالم بحقيقة ذلك. أقول وهنا يجري الكلام ذاته فيما تقدم بان الرد الى من
يتكلم عن الله تعالى بلا ظن او اجتهاد وهو مختص بالنبي صلى الله عليه واله، وبعد
وفاته يكون الحكم الى من يقوم مقامه علما وطاعة وهم الاوصياء. نعم في حال غيبة
الوصي يكون الرد الى القران والسنة.
وقال تعالى : وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ
وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ
مِنْهُمْ. ت: قال الماوردي { وَلَوْ
رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ } وفيهم ثلاثة
أقاويل : أحدها : أنهم الأمراء ، وهذا قول ابن زيد ، والسدي . والثاني : هم أمراء
السرايا . والثالث : هم أهل العلم والفقه ، وهذا قول الحسن ، وقتادة ، وابن جريج ،
وابن نجيح ، والزجاج . قال الطوسي (ولو
ردوه إلى الرسول) بمعنى لو ردوه إلى سنته " وإلى أولي الامر منهم ". قال
أبو جعفر (صلوات الله عليه): هم الائمة المعصومون. وقال ابن زيد، والسدي، وأبوعلي:
هم امراء السرايا، والولاة، وكانوا يسمعون باخبار السرايا ولا يتحققونه فيشيعونه
ولايسألون أولي الامر. وقال الحسن، وقتادة، وابن جريج، وابن أبي نجيح، والزجاج: هم
أهل العلم، والفقه الملازمين للنبي صلى الله عليه وآله، لانهم لو سألولهم عن حقيقة
ما أرجفوا به، لعلموا به. قال الجبائي: هذا لايجوز، لان أولي الامر من لهم الامر
على الناس بولاية. والاول أقوى، لانه
تعالى بين أنهم متى ردوه إلى أولي العلم علموه. والرد إلى من ليس بمعصوم، لايوجب
العلم لجواز الخطأ عليه بلا خلاف سواء كانوا امراء السرايا، أو العلماء. انتهى
اقول المصدق ان الرد ترتيبي اي الى الرسول حال وفاته وبعده الى اولي الامر وهو
الذي يقوم مقام الرسول المفترضة طاعتهم وان الرد الى ولي الامر طريقي فلا بد ان
يكون على علم بالله والرسول مما يؤهله ان يكون هاديا وهم الاوصياء صلوات الله
عليهم بالنقل المصدق. نعم الاطلاق لا يسقط ولا يبطل في حال غيبة الوصي فيرد الى
القران والسنة ولا يعمل الا بما يوافقهما.
ان قوله
تعالى :( وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ
لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) هي المحكم في العرض وان الرد
الى الله والرسول هو الرد الى رسول الله صلى الله عليه واله في حياته والى وصيه في
حال وفاته والى ما هو معلوم من دينه ومن معارف قرانيه وسنية متفق عليهما في حال
غياب الوصي.
وقال
تعالى وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا. ت: قال ابو
السعود { واعتصموا بِحَبْلِ الله } أي بدين الإسلامِ أو بكتابه لقوله عليه الصلاة
والسلام : « القرآنُ حبلُ الله المتينُ).
وقال الطوسي و " واعتصموا " امتنعوا بحبل الله واستمسكوا به -
الى ان - قال في معنى قوله: " بحبل الله " قولان قال أبوسعيد الخدري عن
النبي صلى الله عليه وآله أنه كتاب الله. وبه قال ابن مسعود. وقتادة والسدي. وقال
ابن زيد " حبل الله " دين الله أي دين الاسلام. وقوله: " جميعا
" منصوب على الحال. والمعنى اعتصموا بحبل الله مجتمعين على الاعتصام به.
انتهى، فالاعتصام هو التمسك اي عمليا هو الرجوع والرد. أقول حبل الله وفق منهج
العرض هو المعلوم المتفق عليه من معارف القران والسنة والتي يحكم بها العالم بها
من ولي من نبي او وصي. فهذه الآية بمعنى ما تقدم وهي تفيد العرض والرد الى تلك
المعارف.
ان هذا
الايات هي الاساس النقلي في منهج العرض - اي عرض الحديث على القران والسنة - مع
الاساس العقلائي والفطري للقرائنية وللتمييز والرد والفرز. ولا يقال انها في مورد الاختلاف، حيث انها ولأجل
مجيئها موافقة لسلوك عقلائي عام انما كانت من باب المثال والمصداق والتطبيق. وهذا
الذي يشهد له أصل نقلي اخر هو ايضا يقع ضمن إطار السلوك العقلائي في احراز وقصد
توافق المعارف وتناسبها وتناسقها وهو الاصل الثاني التالي اي ان الحق يصدق بعضه
بعضا.
ان الرد
الى المعارف الثابتة والاخذ بما وافقها هو شرط من شروط الاطمئنان للخبر وافادته
العلم العرفي والذي يعتبر فيه عند العقلاء ان يكون موافقا لما هو معلوم من معرفة
لان التناسب والاتساق بين المعارف علامة الصدق وهو ما تتبناه الفلسفة المعاصرة.
والشاهد على اعتبار التناسق والاتساق وعدم الاختلاف في المعارف الشرعية ادلة نصية
كثيرة دلت على اعتبار موافقة الخبر للقران والسنة بألفاظ وصور مختلفة يأتي
تفصيلها.