قال
الله تعالى (وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ
وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا). وقال تعالى (وَمَا
يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا).
وقال تعالى (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ
اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ). وقال
تعالى (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) فلا يصح اعتماد الظن ومنه اخبار
الاحاد والقول الظني الذي ليس له شاهد من المعارف الثابتة يوجب الاطمئنان له، وصحة
السند لا تنفع في اخراجه من الظن.
وسيتضح
لك جليا انه لا شرط للعمل بالخبر الا شرط واحد هو افادته العلم، بل لا شرط لاعتماد
المعرفة نقلا او قولا الا شرط العلم، وان جميع الشروط والصفات الاخرى هي بيان وشرح
لهذه الصفة. فلا يصح اعتماد الظن ومنه النقل الظني في أي امر شرعي بل في اي امر في
الحياة سواء كان صغيرا او كبيرا لأنه خلاف الحكمة بل خلاف سيرة العقلاء بل خلاف
الفطرة برد المعارف بعضها الى بعض وتحري اتساقها وتوافقها.
ان علمية
المعرفة ان تكون المعرفة حق لا ظن فيه، قال تعالى (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ
سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ
سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ
جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى) وقال
تعالى (إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ لَيُسَمُّونَ
الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى (*) وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ
يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ
شَيْئًا) وقال تعالى (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ
رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ
الْعَلِيمُ (*) وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ
سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا
يَخْرُصُونَ ) وقال تعالى (قُلْ هَلْ
عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ
وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ) وقال
تعالى ( قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ
يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ
أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (*)
وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ
الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ ). فلا مجال مطلقا لإدخال
الظن في العلم ولا يصح الاستمرار باعتبار الظنون في أي مجال من مجالات الشريعة
مهما كان صغيرا.
ولقد
قال تعالى (وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ
مِنْ رَبِّهِمْ) وقال تعالى (الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ
كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ
الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) فجعل الحجة في علم ومعرفتهم وأنها ليست ظنا.
وقابل
الله تعالى بين العلم والظن صريحا فقال: قال تعالى (قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ
عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ
إِلَّا تَخْرُصُونَ) وقال قال تعالى (وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا
عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (*)
أَمْ آَتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ).
ولقد
حصل ارباك معرفي في جهتين بخصوص الظن أولهما قديم وهو تجويز العمل بخبر الواحد
الظني واخرهما مساواة السنة بالحديث الظني، وكلاهما واضح البطلان، الا ان عدم
التدقيق والتعجل وتقليد الأوائل أدى الى استمرا واشتهار القول الأول وبدأ القول
الثاني يصبح من المتبنيات عند البعض.
ومما
لا ريب فيه ان النقل الذي يوجب الاعتقاد والعمل والاعتماد والحجة هو ما علم انه حق
وصدق، ولا ريب ان صحة السند وكثرة النقل واشتهار القول ليست علامات للحق والصدق،
وانما علامة الحق والصدق هو التوافق والتناسق والاتساق وعدم التناقض والاختلاف، وهو
ما نراه في نفوسنا من ان الواقع هو ما قبل الاتساق والتناسق والتوافق، والذي عبرت
عنه الشريعة بنصوص واضحة وصريحة بقواعد الرد والتصديق والعرض والموافقة والشواهد،
فالخبر مهما كان سنده وحاله ووضعه وطرق نقله ان كان له شاهد ومصدق من المعلوم
الثابت من الشريعة ومن القران والسنة فهو حق وصدق وعلم والا كان ظنا ولا يصح إدخاله
في العلم والحق وان صح سنده.
ان
السنة هي ما يعلم وهي اما بالمشافهة او بما ينقل مع الثبوت والعلم بالمصدقية ونحوها
من الشواهد، اي السنة حديث ثابت معلوم والعلم هنا مطلق الاطمئنان، اما ما يروى فهو
ظن فمنه ما يثبت ويعلم اي يصبح علما ومنه ما لا يثبت ويبقى ظنا، فالأول – أي
الحديث العلمي- وهو السنة وهو الشريعة لانه علم و العلم حجة و اما الثاني – الظني-
فليس سنة ولا حجة ولا شرعا. من هنا فالسنة كل حديث ينسب الى النبي صلى الله عليه
واله او الوصي عليه السلام وله شاهد ومصدق واما النقل الظني الذي ليس له شاهد او
مصدق فهو ليس سنة وان صح سنده. وهذا هو الحكم في الاقوال والفتاوى التي تنسب الى
الشرع، فانها ترد الى القران والسنة، فان وافقتها فهي حق والا فهي ظن لا يصح العمل
به، ومن هنا يعلم ان تقليد غير الله ورسوله ووصيه مشروط بموافقة القران والسنة
وليس مطلقا كما يتصور البعض، بل في الواقع التقليد هو للقران والسنة والحديث
والفتوى والتفسير كلها طريق اليهما فكيف يعتمد الطريق المخالف للغاية؟ هذا لا يجوز
بوجه.
ومن
هذا البيان يتبين الخلل في مساواة السنة بالحديث الصحيح، فالسنة علم والحديث
الصحيح ظن، ولا يصح ادخال الظن في العلم، كما ان الحديث الصحيح سندا ظن لا يصح
اعتماده الا ان يكون له شاهد ومصدق من القران، والقول بعدم وجوب عرض الحديث على
القران وتضعيف ذلك ووصف الاخبار فيه بالوضع مما لا يصح المتابعة عليه، وناتج عن الخلط
بين السنة والحديث ومساواة السنة بالحديث، فالعرض على القران ليس للسنة بل للحديث،
وليس للحديث المعلوم الذي هو سنة بل للحديث الظني، الذي هو خبر الواحد وان صح
سنده. ان خبر الواحد ظن لا يصح العمل به وان كان سنده بأعلى درجات الصحة وان اشتهر
ت روايته والقول به، ولا يخرجه من الظن الا ان يكون له شاهد ومصدق من القران.
والحديث صحيح السند مشهور الرواية والقول به إذا لم يكن له شاهد من القران فهو ظن
لا يصح اعتماده، والحديث صحيح السند مشهور الرواية إذا خالف القران وعارضه فهو
باطل كذب لا يصح نسبه للنبي صلى الله عليه واله ولا لأهل بيته الاطهار عليهم
السلام.